فصل: الأول في الصيد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الأول في الصيد

وهو كالإحرام في جنس ما يحرم والتسبب للإتلاف والجزاء، قال صاحب ‏(‏القبس‏)‏‏:‏ وروي عن مالك‏:‏ أن قتل الصيد في الحرم ليس مثل قتل المحرم الصيد في التحريم قال‏:‏ وهذا خلاف قوله تعالى‏:‏ ‏(‏لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏ والحرم‏:‏ ما كان في الحرم محرما‏.‏

فروع ثلاثة‏:‏ الأول في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يجوز ذبح الحلال بمكة الحمام الإنسي والوحشي، والصيد يدخله من الحل، وقاله ‏(‏ش‏)‏، ومنعه ‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل بسبب الحرم، قياسا على ما إذا كان عنده صيد وهو حلال فأحرم، وقياسا للحرم عن الإحرام‏.‏ والجواب على الأول‏:‏ المعارضة بإجماع الحرمين، والقياس على الشجر إذا عبر إلى الحرم، وعن الثاني‏:‏ الفرق فإن الإحرام غلظ في الشرع لسرعة زواله وله مندوحة عن مباشرة الصيد حينئذ، وساكنو الحرم يضطرون لذلك، وهو يطول عليهم أبدا الدهر، وهو الجواب عن الثالث، قال سند‏:‏ وأما العابر بالصيد إلى الحرم وهو عابر سبيل لا يذبحه فيه لعدم الضرورة، قال ابن القاسم‏:‏ ويجب عليه إرساله فإن أكله بعد خروجه من الحرم وداه خلافا لأشهب في الذبح بمكة من أهلها وغيرهم‏.‏

الثاني‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ما وقع من الجراد في الحرم لا يصيده حلال ولا حرام؛ لأنه صيد البر، قال كعب بن عجرة‏:‏ هو من صيد البحر؛ لأنه نثرة حوت، وهو في الترمذي، وجوابه‏:‏ أن ذلك أصله، والمرعي حاله الحاضرة فإنه يموت في الماء، وقد كانت الخيل متوحشة فأنسها إسماعيل وهي إلى الآن متوحشة بالهند، ومع هذا فما تراعي حالها الحاضرة‏.‏

الثالث في ‏(‏الموازية‏)‏‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ في الجراد قبضة من طعام، وهو مروي عن ابن عباس، وأوجب ‏(‏ش‏)‏ تمرة، وهو مروي عن عمر - رضي الله عنه - وفي ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ في الكثير من الجراد قيمته من الطعام، وقد تقدم بعض فروعه في السبب الأول‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في النبات

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يقطع أحد من شجر الحرم شيئا يبس أم لا، فإن فعل استغفر الله تعالى ولا شيء عليه، وقال ‏(‏ش‏)‏ في الشجرة الكبيرة بقرة، وفي الصغيرة شاة؛ لأنه مروي عن ابن عباس، وقياسا على الصيد، والجواب عن الأول‏:‏ أن مالكا ضعفه وهو إمام الحديث، وعن الثاني‏:‏ أن الشجرة إنما منع ليرتفق به الصيد في الحرم في الحر والمطر فهو كالكهوف، والمغاير لا شيء فيه لا كالصيد، ولأن ما لا يضمنه في الحل المحرم لا يضمنه حلال في الحرم، والإحرام كالزرع، قال‏:‏ ولا بأس بما أنبته الناس في الحرم من النخل والشجر والبقول، وقاله ‏(‏ح‏)‏ خلافا ل ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل في الشجر، لنا‏:‏ أن الحديث إنما خرج مخرج الغالب، والعضد غالبا إنما يكون في الشجر المباح، وقياسا على الزرع، قال‏:‏ ويجوز الرعي في الحرم في الحشيش والشجر، وإكراه الاحتشاش للحرام والحلال خشية قتل الدواب، وكذلك الحرام في الحل فإن سلموا فلا شيء عليهم، ولا بأس بقلع الإذخر والسنامن الحرم، أما الإذخر‏:‏ فللحديث المتقدم، وأما السنا‏:‏ فلأنه يحتاج إليه في الأدوية، ويحمل لسائر الأقطار، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في الرعي، ومنعه ‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل؛ لأنه تسبب في إتلاف ما لا يجوز إتلافه فيمنع كالسبب لقتل الصيد، لنا‏:‏ إن الحاجة إلى ذلك فوق الحاجة إلى الإذخر فيجوز، ومنع ‏(‏ش‏)‏ الاحتشاش فإن احتش ضمن ما نقصه القلع، فإن استخلف ونبت سقط الضمان، لنا‏:‏ القياس على الرعي، قال سند‏:‏ إذا قطع شجرة ردها لمنبتها، فإن نبتت ذهبت الجناية وإلا انتفع بها الصيد في الحرم، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا نبت في الحرم ما شأنه أن يستنبت أو استنبت ما عادته أن ينبت بنفسه، فالاعتبار بالجنس، لا بحاله الحاضرة‏.‏ الحرم الثاني‏:‏ حرم المدينة، قال مالك، و‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ يحرم صيده وقطع شجره، وخالف ‏(‏ح‏)‏ لحديث أنس ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل علينا وابن أخ صغير يكنى أبا عمر، وكان له نغير يلعب به فمات، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فرآه حزينا فقال‏:‏ ما شأنه‏؟‏ قال مات نغره، فقال يا أبا عمير ما فعل النغير‏؟‏‏)‏ وهذا يدل على جواز صيد المدينة، وجوابه أنه لم يتعين أنه من نغر الحرم، وقد تكون من الحل، لنا‏:‏ ما في مسلم قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏إن إبراهيم حرم مكة، وأنا حرمت المدينة‏)‏ كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها مثل ما دعا به، وفيه أنه عليه السلام حرم ما بين عير إلى ثور‏.‏ الحديث إلى قوله‏:‏ لا يختلي خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ليس في صيده جزاء، والكلام في شجره كالكلام في شجر حرم مكة، ويكره له قطع شجر غير الحرم إذا دخل في الحرم؛ لأنه ينفر بذلك الصيد منه، ورخص مالك في قطع العصا والعصاتين من غير شجر الحرم، وكره ضبط شجر الحرم للنهي الوارد فيه، فأما الجزاء فنفاه مالك و‏(‏ش‏)‏ وأثبته ابن حنبل وابن نافع قياسا على حرم مكة، لنا‏:‏ إجماع أهل المدينة فلو كان لعلم بالضرورة عندهم لتكرره، ولأنه موضع يدخل بغير إحرام فلا يضمن صيده كوج، وهو واد بالطائف، و‏(‏ش‏)‏ يمنع من صيده، وأوجب ‏(‏ح‏)‏ في القديم ضمانه وسلب الصائد فيه، لما في أبي داود ‏(‏أن سعد ابن أبي وقاص أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة فسلبه ثيابه، وقال‏:‏ إن النبي - عليه السلام - حرم هذا الحرم، وقال‏:‏ من وجد أحدا يصيد فيه فليسلبه‏)‏‏.‏ وجوابه‏:‏ أن العقربة كانت في أول الإسلام بالمال ولو استمر ذلك بالمدينة لتواتر، واختلف قول مالك في تحريم أكل هذا الصيد وهو الأظهر سدا للذريعة، وقال‏:‏ مرة يكره‏.‏

النوع التاسع‏:‏ الجماع

والأصل في تحريمه وإفساده الحج قوله تعالى‏:‏ ‏(‏الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج‏)‏ ‏[‏البقرة 197‏]‏ والرفث‏:‏ الجماع لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم‏)‏ ‏[‏البقرة 187‏]‏ وفي ‏(‏الموطأ‏)‏‏:‏ قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب‏)‏ وإن عمر رضي الله عنه، وأبا هريرة - رضي الله عنه - كانوا يسألون عن الرجل يصيب أهله وهو محرم بالحج، فيقولون‏:‏ ينفران إلى وجههما حتى يقضيا حجهما، ثم عليهما الحج قابلا والهدي، وقال علي رضي الله عنه‏:‏ إذا أهلا بالحج من قابل يفترقان إلى وجههما حتى يقضيا حجهما، ثم عليهما الحج قابلا والهدي، وقال علي رضي الله عنه‏:‏ إذا أهلا بالحج من قابل يفترقان حتى يقضيا حجهما‏.‏

وفي هذا النوع فصلان‏:‏ الأول في الجماع نفسه، والثاني في مقدماته‏.‏

الفصل الأول في الجماع

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ يستوي في الإفساد الجماع في الفرج والمحل المكروه من الرجال والنساء، كان معه إنزال أم لا، وهو يوجب الإفساد والقضاء والهدي إن وقع قبل الوقوف، فإن وقع بعد النحر قبل الرمي فعليه عمرة والهدي وهدي آخر لتأخير الرمي، وقيل‏:‏ يفسده وفي يوم النحر قبل الرمي والتقصير المشهور الفساد، وروي عدمه، وإن أفاض ولم يرم، ثم وطئ فليس عليه إلا الهدي ولا عمرة عليه، وقال ابن وهب‏:‏ إن وطئ يوم النحر فسد حجه إذا لم يرم، وإن أفاض، قال ابن القاسم‏:‏ فإن وطئ يوم النحر بعد الرمي قبل الإفاضة فعليه عمرة والهدي حلق أم لا وتفسد العمرة قبل الركوع، وبعد السعي روايتان، وقد تقدمت قواعد هذه الفروع في الرمي، قال‏:‏ ويجب تتميم فاسدة كصحيحه ثم يقضي ويهدي بدنة فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، قال أبو الحسن‏:‏ ولو أخرج الشاة مع القدرة على البدنة كره، ويتأدى بالقضاء ما يتأدى بالأداء من فرض الإسلام وغيره، والقضاء واجب على الفور، وفي جواز تقديم الهدي عليه خلاف ولو قدم هدي قرآن القضاء لم يجزئه، وفي إجزائه إذا قلده وأخر نحره إلى حجة القضاء خلاف قال ابن يونس‏:‏ ولا خلاف أن الإيلاج بغير إنزال، أو الإنزال بأي أنواع الاستمتاع كان يفسد الحج والعمرة، خلافا ل ‏(‏ح‏)‏ و‏(‏ش‏)‏ في الإنزال؛ لأنه المقصود من الوطئ‏.‏

تفريعات أربعة‏:‏ الأول في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا جامع زوجته في الحج فليفترقا إذا أحرما بحجة القضاء، ولا يجتمعان حتى يحلا سدا للذريعة، وخصصه الشافعي وابن حنبل من الموضع الذي وطئها فيه؛ لأن مالكا رواه عن عثمان وعلي وابن عباس - رضي الله عنهم - لأنهما يتداركان ما كان بينهما حينئذ، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يجب ذلك كما لا يجب في قضاء رمضان ولا في بقية الإحرام، قال ابن يونس‏:‏ الافتراق مروي عنه عليه السلام، ولا خلاف فيه في العمد، وكذلك الناسي خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏، قال سند‏:‏ وهذا الافتراق مستحب خلافا لابن حنبل وبعض الشافعية؛ لأنه لو وجب لوجب بتركه الدم ولا دم فلا يجب، قال‏:‏ ولا يشكل بعقد النكاح؛ لأن تركه يجب ولا يجب بفعله دم، وكلاهما ذريعة؛ لأن أثر تحريم العقد في عدم الانعقاد وههنا لا أثر إلا وجوب الدم لو كان واجبا، بل استصحاب الزوجة كاستصحاب الطيب والمخيط‏.‏

الثاني‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يحرم في قضاء الحج والعمرة من حيث أحرم أولا إلا أن يكون الأول أبعد من المقياة فيحرم من الميقاة، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ في الحج، وقال في العمرة‏:‏ يحرم بها من أدنى الحل؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - قضت عمرتها من التنعيم، وجوابه‏:‏ أنها كانت قارنة فأرادت إفراد العمرة، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ إن أحرم أولا قبل الميقاة وكذلك ثانيا أو بعد الميقاة أحرم ثانيا منه؛ لأن كل مسافة وجب قطعها في الأداء وجب في القضاء أو ما أوجبه الإحرام‏.‏ لنا‏:‏ قياس المكان على الزمان، وقد سلمه الجميع، قال‏:‏ فإن تعدي الميقاة في القضاء وكان أحرم في القضاء قبل ذلك أجرأه وعليه دم؛ لتجاوز الميقاة، وإذا طاف القارن أول دخوله مكة وسعى ثم جامع قضى قارنا؛ لأن طوافه وسعيه للحج والعمرة جميعا، وقال الأئمة‏:‏ له أن يقضي مفردا؛ لأنه أتى بأفعال العمرة، وجوابهم‏:‏ لو كان كذلك لوجب الدم لتأخير خلافا، قال‏:‏ وإن أحرم بحجة القضاء قبل تتمة الأداء فالثاني لغو، ولا يقضي ويتم الفاسد؛ لأن الحج لا يقبل الرفض، ولو جامع في عمرته ثم أحرم بالحج لم يكن قارنا؛ لأنه إن انعقد صحيحا لا يمكن امتزاجه مع العمرة الفاسدة، أو فاسدا فحال؛ لأنه لم يقارنه مفسد فلا ينعقد إحرامه بالحج مطلقا، وإن أحرم بالحج قبل قضاء عمرته لزمه، وقضاها بعد حجه، قال سند‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ يلزمه الإحرام بالحج بعد فساد العمرة فيصير قارنا؛ لأن أعلا مراتب الفاسد أن يكون كالصحيح والعمرة الصحيحة لا لمنع الحج فالفاسدة أولى، وإذا قلنا ينعقد فلا يجزئه عن حجة الإسلام أو النذر أو التطوع وعليه هدي في العام الأول لقرانه، ويقضي قابلا قارنا ويهدي هديين لقران القضاء والفساد، وإن أتم عمرته الفاسدة فلا يحرم بالحج حتى يقضيها، فإن أخر القضاء، وأحرم بالحج صح إحرامه، قال محمد‏:‏ فإن كانت في أشهر الحج فحل منها، وحج من عامه قبل القضاء فهو متمتع، وعليه قضاء عمرته بعد حله من الحج‏.‏

الثالث‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا أفسد المتمتع حجه فعليه دم المتعة وهدي الفساد عند حجة القضاء، ومن أفسد حجه فأصاب صيدا أو حلق أو تطيب أو وطئ مرة بعد مرة تعددت الفدية والجزاء‏.‏ واتحد هدي الوطئ؛ لأنه للفساد، وإفساد الفاسد محال فإن كان متأولا سقط إحرامه أو جاهلا بوجوب إتمامه اتحدت الفدية؛ لأنه لم توجد منه الجرأة على محرم، وعليه الهدي لما تقدم ويتعدد الجزاء؛ لأنه إتلاف غير فتوقف على الإثم، ويتحد الجزاء عند ‏(‏ح‏)‏ بالتأويل، وعذره ‏(‏ش‏)‏ فلم يوجب عليه شيئا مطلقا كالوطئ في رمضان ناسيا، والحق الناسي بالجاهل‏.‏

قاعدة‏:‏ انعقد الإجماع على أن العلم قسمان‏:‏ فرض كفاية وفرض عين، وهو علم الإنسان بحالته التي يلابسها، وقد تقدم تقرير ذلك في مقدمة أصول الفقه في أول الكتاب، فكل من قدم على فعل يجب عليه التوقف حتى يعلم حكم الله فيه، فإن لم يفعل ذلك عصى معصيتين‏:‏ بترك التعلم وبترك العمل، ولا يعذر بجهله، ولذلك أجراه مالك في الصلاة مجرى العامد لاشتراكهما في العصيان، ولم يلحقه بالناسي، وههنا عذره بالجهل فينبغي أن يعلم أن الجهل قسمان‏:‏ ما لا يشق دفعه عادة فلا يعذر به، وما يشق فيعذر به، كمن وطئ أجنبية يظنها زوجته أو شرب خمرا يظنه خلا فيعذر إجماعا، ومشاق الحج كثيرة فناسب التخفيف والعجب‏:‏ إن النسيان في الحج لا يمنع الفدية وهو مسقط للإثم إجماعا، وأسقطها بالجهل والتأويل الفاسد الذي يثبت الإثم معهما‏.‏

الرابع‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إن إكره نساءه محرمات أحجهن وكفر عن كل واحدة كفارة، وإن بن منه وتزوجن؛ لأن الحج تدخله النيابة‏.‏ والإكراه يوجب الضمان كوطئها صائمة مكرهة، فإن طاوعنه فذلك عليهن دونه، وقال ابن يونس‏:‏ وإذا تزوجت جبر الثاني على الإذن لها، ومن وطئ أمته، وقد أذن لها في الحج فعليه أن يحج بها ويهدي عنها، قال ابن القاسم‏:‏ وطوعها له كالإكراه، قال عبد الملك‏:‏ ولو باعها كان ذلك عليه لها‏.‏ قال محمد‏:‏ وهو عيب ترد به، قال عبد الملك‏:‏ ويهدي عنها ولا يصوم، وإذا لم يكن عند الزوج ما يحج زوجته المكرهة فلتفعل هي ذلك من مالها وترجع عليه، وإذا أفلس الزوج وقف لها ما يحج به ويهدي فإذا ماتت قبل ذلك رجع إلى الغرماء إلا الهدي فيبعث به إلى مكة، وقال سند‏:‏ الخلاف الذي في كفارة الإكراه على الوطئ في الصوم لا يأتي ههنا؛ لأن الوطئ في الحج يوجب الكفارة بخلاف الصوم، وقال عبد الملك‏:‏ إذا لم يجد الهدي لا يصوم، ولابن القاسم في وجوب ذلك عليها إذا أعسر الزوج قولان، نظرا إلى أن أصل الوجوب متعلق بها، وإنما هو يحمل عنها الإكراه أو يقال وجود ماله شرط في الوجوب‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في مقدمات الوطء

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا داوم المحرم التذكر للذة أو عبث بذكره أو استدام الحركة على الدابة أو أدام النظر للذة، أو باشر حتى أنزل‏:‏ فسد حجه، وكذلك المحرمة قياسا على الصوم، فإن لم يبالغ النظر ولا داومه فأنزل، أو باشر فالتذ ولم تغب الحشفة فحجه تام وعليه دم، قال سند‏:‏ وروى أشهب‏:‏ إن تذكر أهله حتى أنزل ليس عليه حج قابلا ولا عمرة، وعليه هدي بدنة، وقاله الأئمة؛ لأنه لا يوجب الحد فلا يفسد الحج، وقالوا‏:‏ ذلك إذا جامع دون الفرج، وإلحاق الحج بالعبادات من الصوم والاعتكاف والطهارة أولى من الحدود، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إن باشر ولم ينزل فروى محمد إن قبل فبدنة أو غمز امرأة بيده فأحب إلي أن يذبح، وتكره المباشرة ومس الكف ورؤية الذراع، وحملها على المحمل بل يتخذ سلما، ولا بأس برؤية شعرها، وإفتاء المفتي في أمور النساء‏.‏

النوع العاشر‏:‏ عقد النكاح والإنكاح من المحرم، لما تقدم في الجماع ولا فدية فيه دون سائر المحظورات؛ لأنه وسيلة وغيره مقصد، والذي يجبر إنما هو المقاصد وله مراجعة زوجته وهما محرمان؛ لأن الرجعية زوجة؛ لأنهما يتوارثان، إنما الرجعة إزالة مانع من الوطئ‏.‏

النوع الحادي عشر‏:‏ التزين بإماطة الأذى والتنظيف، والأصل في منع هذا النوع قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏المحرم أشعث أغبر‏)‏ وفيه تفريعات ثلاثة‏:‏

الأول في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا خضب رأسه أو لحيته بحناء أو وسمة، أو المحرمة يديها أو رجليها أو رأسها أو طرفت أصابعها‏:‏ افتديا، وإن خضب أصبعه لجرح فعليه الفدية إن كان للتداوي، وإلا فلا ويفتدي في مداواته بالطيب مطلقا؛ لكثرة الرفاهية في الطيب، وقال الشافعية‏:‏ إنما توجب الحناء الفدية في الرأس إذا سترها؛ لأن أزواجه عليه السلام كن يختضبن بالحناء وهن حرم، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ إن عم العضو وإلا فلا، لنا‏:‏ القياس على الدهن بجامع إزالة الشعث وهذه أولى لما فيه من العطرية، ويمنع صحة حديثهم، قال‏:‏ ولا بأس بالغسل بالأشنان غير المطيب‏.‏

الثاني‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من دهن كفيه أو قدميه من الشقاق فلا شيء عليه، وإن دهنهما لغير علة فعليه الفدية، لما في ‏(‏الموطأ‏)‏ أن ابن عمر - رضي الله عنه - قال‏:‏ يا أهل مكة ما شأن الناس يأتون شعثا وأنتم مدهنون، أهلوا إذا رأيتم الهلال‏.‏ فدل على أن الدهن يمنع منه المحرم، ولا خلاف في الفدية في دهن الرأس كان عليه شعر أو لا، وقال مالك و‏(‏ح‏)‏ بها في دهن الجسد، خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وقال سند‏:‏ إذا استعمل الدهن في جسده لعذر افتدى لإزالته الشعث، وأثر الضرورة نفي الإثم‏.‏

الثالث‏:‏ في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا بأس بالائتدام ‏(‏بالسيرج والسمن، ويكره الائتدام والاستعاط بدهن البنفسج وشبهه، وله كحل عين‏)‏ بالاثمد لحر يجده إلا أن يكون مطيبا، وإن اكتحل للزينة افتدى، وخالفنا الأئمة، لنا‏:‏ أنه يزيل الشعث من العين كما يزيل الدهن شعث الرأس، وفي ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ قال عبد الملك‏:‏

ليس على الرجل في الكحل فدية؛ لأن جنسه خاص بالنساء، والفرق عندنا بين الكحل للضرورة لا فدية فيه، ودهن الجسد للضرورة فيه الفدية أن العين في حكم الباطن فتشبه الشقوق في اليد أو الرجل، قال سند‏:‏ وأما تشقيق العين بما لا يتحجر على الجفن فخفيف، وإن كان يستر البشرة سترا كثيفا كالقرطاس على الدمل ففيه الفدية، وفي كحل النساء ولبس الحلي وغيره من الزينة خلاف بين أصحابنا بالكراهة والتحريم، والمعروف الفدية في الكحل بخلاف الحلي؛ لأن الحلي لا يزيل شعثا، وليس على المحرم شعوثة اللباس، بل له تجديد الملبوس ويبالغ في تنظيفه إذا أمن من قتل الهوام، ولا يزيل شعث جسده، وكره مالك النظر في المرآة للمحرم والمحرمة؛ لئلا تبعثه على إزالة الشعث، في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ يكره له غمس رأسه في الماء؛ خيفة قتل الدواب فإن فعل أطعم شيئا من الطعام، وليس له غسله بالسدر والخطمي، ويفتدي إن فعل‏.‏

الثامن‏:‏ في الفدية

المرتبة على الترخيص بالمخيط والطيب والقاء التفث وغيرها والأصل فيها قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ هل هي على التخيير لورود الآية بصيغة ‏(‏أو‏)‏ وهي تقتضي التخيير لغة‏؟‏ وفي ‏(‏الموطأ‏)‏‏:‏ كان كعب بن عجرة معه عليه السلام محرما فأذاه القمل في رأسه فأمره عليه السلام أن يحلق رأسه، وقال‏:‏ صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين مدين لكل مسكين، أو انسك بشاة، أي ذلك فعلت أجزأ عنك‏.‏ ولا يفتقر إلى الحكمين، وإن كانت القاعدة حمل المطلق على المقيد، وقد أطلقت الكفارة ههنا، وقيدت في الصيد بالحكم لاختلاف السبب وهو قتل الصيد والترفه‏.‏ والحكم وهو لوجود الشبه ثمة وشاة كيف كانت ههنا، والحمل إنما يكون إذا اتحد السبب كالوضوء والتيمم فإن السبب الحدث، أو اتحد الحكم كالعتق في القتل، والظهار على الخلاف في ذلك، قال‏:‏ ويستوي في التخيير المضطر والجاهل، والنسك‏:‏ شاة يذبحها حيث شاء، ولا يشترط خروجها إلى الحل ولا دخولها فيه، وكذلك الإطعام وهو ستة مساكين مدين لكل مسكين بمده عليه السلام من عيش ذلك البلد برا أو شعيرا، ولا يجزئ الغذاء والعشاء لتعيينه عليه السلام مدين، وأجزأ في كفارة الحنث لكونها مدا مدا، والغذاء والعشاء أفضل منه، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ دم الفدية كالهدي يذبح بالحرم قبل الوقوف بعرفة؛ لما في أبي داود ‏(‏أنه عليه السلام أمر كعب بن عجرة لما حلق رأسه أن يهدي هديا بقرة‏)‏ والجواب‏:‏ منع الصحة أو حمله على الاستحباب، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا يطعم إلا بمكة، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يجوز دفعه لمسكين واحد؛ لأن المقصود سد الخلة على أصله في الكفارة، قال ابن يونس، قال محمد‏:‏ إن شاء نحر البدنة ليلا أو نهارا، وإن شاء بعيرا أو بقرة وله جعلها هديا وتقليدها، ولا ينحرها إذا قلدها إلا بمنى أو بمكة أن أدخله من الحل، فإن افتدى قبل الفعل الموجب لم يجزئه، وأفضل الفدية أفضل الهدايا الإبل ثم البقر ثم الغنم؛ لأنه يفرق لحما فيستحب فيه الكثرة، ومتابعة الصوم أفضل، ولو تبين استواء الغذاء والعشاء للمدين أجزأه، ولو أطعم يومين أجزأه‏.‏

فصل في تداخل الفدية

والأصل في التداخل قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية‏)‏ الآية، فجعل الواجب أحد الخصال مرتبا على المرض والأذى، ولم يخص بعض المرض بشيء فيجب في حمله ما يستعمل في المرض فدية واحدة، ويلحق به النية المتحدة والمجلس المتحد بجامع العزم على مباشرة المحظور، وقد تقدم في باب القران أنواع التداخل في موارد الشرع وعدده وتفاصيله، فليراجع من هناك، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا لبس قلنسوة لوجع ثم نزعها فعاد إليه الوجع فلبسها، إن نزعها بدأ منه فيها فديتان، وإن كان ناويا مراجعتها عند مراجعة المرض ففدية واحدة نظرا لاتحاد النية، والسبب كالحدود، وكذلك إذا وطئ مرة بعد مرة، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ إذا وطئ وهو يعتقد الخروج من إحرامه، ولم يخرج أو اعتقد رفضه أو اعتقد بقاءه أو تكرر الوطئ في مجلس واحد فإن كان يعتقد الإحرام، ووطئ في مجالس عليه في الأول بدنة، وفي الثاني شاة سواء كفر عن الأول أم لا، وعند ‏(‏ش‏)‏ إذا لم يكن كفر حتى وطئ قولان في التداخل، وإذا لم يتداخل فهل يجب في الثاني بدنة أو شاة قولان، لنا‏:‏ أن الثاني لم يفسد الإحرام لتعذر إفساد الفاسد، فلا تجب فيه كفارة، كما لو اتحد المجلس، ولو لبس الثياب مرة بعد مرة ناويا لبسها إلى برئه من موضعه، أو لم يكن به وجع وهو ينوي لبسها مدة جهلا أو نسيانا أو جرءة‏:‏ فكفارة واحدة لاتحاد النية، وكذلك الطيب ينبع اتحاد النية وتعددها، فإن داوى قرحة بدواء فيه طيب ثم قرحة أخرى بعدها فكفارتان؛ لتعدد السبب والنية، وإن احتاج في فور واحد لأصناف فلبس خفين وقميصا وقلنسوة وسراويل فكفارة واحدة، وإن احتاج إلى خفين فلبسهما، ثم إلى قميص فلبسه فكفارتان لتعدد السبب، وإن قلم اليوم إظفار يده وفي الغد أظفار يده الأخرى ففديتان؛ لتعدد المجلس، وإن لبس وتطيب وحلق وقلم في فور واحدة ففدية واحدة، وإن تعددت المجالس تعددت الفدية، وقاله ‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ هذه أجناس لا تتداخل كالحدود المختلفة، لنا‏:‏ إن المعتبر هو الترفه وهو مشترك بينها وبين واجب، وموجب الجميع واحد وهو الفدية فتتداخل كحدود المسكر المختلف الأنواع، قال ابن يونس، قال عبد الملك‏:‏ إن احتاج إلى قميص ثم استحدث السراويل مع القميص ففدية واحدة لسترة القميص موضع السراويل، فلو احتاج إلى السراويل، أولا ففديتان، فإن احتاج إلى قلنسوة ثم بدا له فلبس عمامة أو عكس فدية واحدة، وكذلك لو احتاج إلى قميص ثم جبة ثم فروة أو احتاج إلى قلنسوة ثم عمامة ثم إلى التظلل، قال سند‏:‏ إن اتصل الفعل لا يضر تقطع النية مثل استعمال دواء فيه العنبر ثم يوصف له دواء فيه المسك فيقصده بفور استعمال الأول ففدية واحدة، وإن اتصلت النية وتقطع الفعل كالعزم على التداوي بكل ما فيه طيب فيستعمل المسك ثم العنبر‏:‏ ففدية واحدة، فإن تقطعا معا كما إذا لم ينجع دواء المسك فيعزم على دواء العنبر، فلا يتداخلان لتباين من كل وجه، والمراعى في ذلك‏:‏ الفور والقرب، وإذا احتاج إلى خفين أو ثياب لم تتعين، وله لبس خف بعد خف، بخلاف الطيب إذا نوى طيبا ممسكا، فاستعمل بعده غيره فكفارة ثانية، والفرق‏:‏ أن الطيب يتلف عينه فيتعين، واللباس إنما تتلف منافعه فلا يتعين، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ حيث قلنا‏:‏ تجب الفدية باللبس، فكذلك إذا انتفع به لحر أو برد كالنوم، وإن لم ينتفع حتى ذكر ونزع فلا شيء عليه، وكذلك الخف إذا نزعه على القرب‏.‏

التاسع‏:‏ في دماء الحج

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ قال الأستاذ أبو بكر‏:‏ يجب الدم في الحج في أربعين خصلة‏.‏ والنظر في أنواعها، وأحكامها، وبقاعها وأزمانها‏.‏ فهذه أربعة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏ في أنواعها

النوع الأول‏:‏ ما وجب من غير تخيير، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ كل هدي وجب على من تعدى ميقاته أو تمتع أو أو قرن، أو أفسد حجة، أو فاته الحج، أو ترك الرمي أو النزول بمزدلفة، أو نذر مشيا فعجز عنه أو ترك من الحج ما يجبر بالدم، إذا لم يجد هديا صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة، إذا رجع بعد ذلك، وله أن يصوم الثلاثة ما بينه وبين يوم النحر، فإن لم يصم قبله صام الثلاثة التي بعده ويصل السبعة بها إن شاء؛ لأن معنى قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وسبعة إذا رجعتم‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏ أي‏:‏ من منى سواء أقام بمكة أم لا، وإن صام بعضها قبل يوم النحر كملها في أيام التشريق فإن أخرها عن أيام التشريق صام متى شاء، وصلها بالسبعة أم لا، وإنما يصوم الثلاثة في الحج المتمتع والقارن، ومتعدي الميقات، ومفسد الحج، ومن فاته الحج، وأما من لزمه ذلك لترك جمرة أو النزول بمزدلفة فيصوم متى شاء، وكذلك الوطئ بعد رمي جمرة العقبة قبل الإفاضة؛ لأنه إنما يصوم إذا اعتمر بعد أيام منى، والماشي في نذره بعجز يصوم متى شاء ؛ لأنه يقضي في غير حج فيصوم في غير حج، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يبتدئ المتمتع الصوم من حين الإحرام بالحج كما قلناه، وقال ‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل‏:‏ من حين يحرم بالعمرة قياساً على الحج، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ قيل‏:‏ يجوز تقديم هدي المتعة على الحج بعد العمرة؛ لأن التطوع الحج يجزء عن واجبه فهذا أولى، لنا‏:‏ إن حقيقة التمتع إنما يحصل بالإحرام بالحج فلو تقدم الصوم لتقدم على سببه، ولأن الهدي لا يجزئ قبل الحج فكذلك بدله، والفرق بين هذا وبين التكفير قبل الحنث بعد باليمين أن اليمين هو السبب والحنث شرط، والحكم يجوز أن يترتب على سببه، والعمرة ليست سببا بل اجتماع الإحرامين ولم يحصل، ووافق ابن حنبل في صوم أيام التشريق؛ لأنه مروي عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم، خالف ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ لنهيه عليه السلام عن صومها، وجوابه‏:‏ أن ما ذكرناه خاص، وما ذكروه عام فيقدم الخاص على العام، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل أنه يصوم بعد عرفة، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يتعين الهدي عليه حينئذ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فصيام ثلاثة أيام في الحج‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏ فشرطها في الحج، وجوابه‏:‏ أن الواجب في الحج لا ينافي الواجب في غيره فإن استدل بمفهوم الزمان فهو لا يقول بالمفهوم، ثم ينتقض بصيام الظهار فإنه مشروط بقبل المسيس ويجب بعده، ولنا‏:‏ القياس عليه وعلى صوم رمضان، وقال ابن حنبل‏:‏ إن أخر الدم لغير عذر فعليه دم، ويصوم كتأخير قضاء رمضان عن وقته، وجوابه‏:‏ أن الصوم ههنا يدل على الهدي، فلو وجب الدم لاجتمع البدل والمبدل معه، وهو خلاف الأصل، قال‏:‏ من ترك الميقات في عمرته، أو وطئ أو فعل ما يلزمه به هدي فلم يجده فليصم ثلاثة أيام، وسبعة بعد ذلك، وكل من لم يصم ممن ذكرناه حتى رجع إلى بلده وله بها مال بعث بالهدي، ولم يجزئه الصوم، وكذلك من أيسر قبل صيامه، ومن وجد من يسلفه فلا يصم، ويتسلف إن كان موسرا ببلده لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج‏)‏

‏[‏البقرة 196‏]‏ واشترط عدم الهدي كما اشترط عدم الماء في التيمم، فكما يتسلف للماء يتسلف للهدي، قال سند‏:‏ إذا طرأ موجب الدم بعد الوقوف بعرفة‏:‏ فلمالك في ترخيصه بصوم أيام التشريق قولان، قياسا على التمتع بجامع وجوب الثلاث والسبعة، أو نظر إلى تقدم الوجوب في التمتع، ومن شرع في صيام الثلاثة، ثم وجد الهدي استحب له الهدي، وكذلك إن وجد بعده الثلاثة قبل يوم النحر كالمتيمم يجد الماء في أثناء تيممه، وإذا وجده قبل يوم النحر فقد وجب المبدل قبل حصول المقصود من البدل وهو التحلل، لنا‏:‏ القياس على السبعة، والفرق بينه وبين التيمم أن الصوم مقصود في نفسه وظاهر المصلحة، والتيمم بالتراب مناف لمقصود الطهارة، وإنما شرعه الله تعالى ضبطا لعادة التطهير، ويصوم عشرة أيام متصلة إذا رجع إلى أهله، وقال ابن حنبل، وقالت الشافعية‏:‏ يجب التفريق؛ لأنه هيئة للعبادة فلم يسقط بالفوات كهيئات الصلاة، وجوابهم‏:‏ أن هذه الهيئة واجبة للوقت فتفوت بفواته كالتفريق بين الصلاتين في الأداء، وإذا لم يجد الهدي وأخر الصوم حتى مات فلا شيء على الوارث، فإن أراد أن يتطوع عنه فالهدي؛ لأن الصيام لا تدخله النيابة، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ قال ابن الحارث لابد من اتصال الثلاثة بعضها ببعض وكذا السبعة، والمشهور‏:‏ خلافه ولو مات المتمتع قبل رمي جمرة العقبة فلا شيء عليه أو بعدها أخرج هدي التمتع من رأس ماله، وقال سحنون‏:‏ لا يلزم الورثة الهدي إلا أن يشاءوا، ولا بجمع بين بعض البدل وبعض المبدل في سائر الإبدال، بل وصنف واحد ز النوع الثاني‏:‏ ما وجب مع التخيير وهو جزاء الصيد وفدية الأداء، كما تقدم بسط فروعها في بابها‏.‏

النوع الثالث التطوع، ولا أعلم في التطوع بالهدي خلافا، وقد بعث عليه السلام بالهدايا تطوعا مع ناجية الأسلمي ومع غيره، وما زال السلف على ذلك، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إن استحق هدي التطوع استحق فعليه بدله ويجعل ما يرجع به من ثمنه في هدي، كما يفعل بما يرجع به من عيب، وإن ظل هدي التطوع ثم وجده بعد أيام النحر نحره بمكة، بخلاف الأضحية يجدها بعد أيام الذبح، والفرق تعين الهدي بالتقليد والإشعار، والأضحية لا تتعين إلا بالذبح، أو النذر أو التعين‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في أحكامها

وهي عشرة‏:‏ الحكم الأول‏:‏ الشركة فيها، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يشترك في هدي تطوع، ولا واجب، ولا نذر ولا جزاء صيد، ولا فدية وأهل البيت والأجانب سواء، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ ويجوز الاشتراك في الهدي لمريدي التقرب كان أحدهما متطوعا أم لا، فإن كان أحدهما لا يريد التقرب لم يجز، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ يجوز مطلقا، يقول جابر‏:‏ نحرنا مع النبي عليه السلام عام الحديبية البدنة عن سبع والبقرة عن سبع، وهو في ‏(‏الموطأ‏)‏ ومسلم، وقياسا على اشتراك أهل البيت في الأضحية، لنا‏:‏ ما رواه مالك، قال ابن عباس رضي الله عنه‏:‏ ما كنت أرى دما يقضي عن أكثر من واحد، والقياس على الشاة وهي تبطل قياسهم على أهل البيت، فإن الشركة تجوز فيها في الأضحية، بخلاف الهدي اتفاقا، وقياسا على الرقبة في العتق، والفرق بين الأضحية والهدي‏:‏ أن الهدي شرع في الإحرام تبع له، والإحرام لا شركة فيه فلا شركة في الهدي تبعا لأصله، والأضحية لم تتبع غيرها، قال سند‏:‏ وروي عن مالك‏:‏ لا بأس أن يشترك في التطوع؛ لأن حديث جابر كانوا في متطوعين معتمرين، وإذا منعنا الاشتراك في التطوع فظاهر الفرق بين الأجانب والأقارب، لما في أبي داود ‏(‏أنه عليه السلام نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة‏)‏ وإن أجزنا الاشتراك فلا يختص بأهل البيت ولا بسبع، قياسا على عتق التطوع، والخصم يمنع ذلك كله اتباعا لظاهر الحديث وليس فيه إلا مفهوم لقب أو عدد، وهما ضعيفان في باب المفهوم على ما تقرر في علم الأصول، وإذا اشترك الأجانب فلا فرق أن يوهب لهم، أو يبتاعوه اتفقت أجزاؤهم أم اختلفت، إلا أن الظاهر أنه لا يشاركهم ذمي، ولا من لا يريد التقرب كمريد بيع اللحم ونحوه؛ لأن العبادة هي النحر، والعبادة لا يكون بعضها ليس بعبادة، وإذا أرادوا قسمة اللحم، فإن قلنا‏:‏ القسمة إقرار حق جاز، وإن قلنا‏:‏ بيع فلا، وإن تصدقوا به جاز للمساكين قسمته كما لهم بيعه وقسمة ثمنه‏.‏

الحكم الثاني‏:‏ التقليد والإشعار، وهما من سنة الهدي، لما في مسلم أنه عليه السلام أشعر بدنة في الجانب الأيسر ثم سلت الدم عنها، وفي ‏(‏الموطأ‏)‏ أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة يقلده قبل أن يشعره، وذلك في مكان واحد وهو متوجه إلى القبلة يقلده بنعلين، ويشعره من الشق الأيسر، ثم يساق، وكان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره، قال‏:‏ بسم الله والله أكبر، وكان يجلل بدنه بالقباطي والأنماط والحلل، ثم يبعث بها إلى مكة فيكسوها أياما، وأما التقليد فلقوله تعالى‏:‏ ‏(‏

ولا الهدي ولا القلائد‏)‏ ‏[‏المائدة 2‏]‏، قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ إنا فتلت قلائد هدي رسول الله عليه السلام، وقلدها هو بيده، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الإشعار بدعة لنهيه عليه السلام عن تعذيب الحيوان وعن المثلة، وجوابه‏:‏ أن ما ذكرناه خاص فيقدم على عموم ما ذكره سلمنا له التساوي في العموم، لكن حديث مسلم السابق عام الوداع، وحديث المثلة عام أحد فيكون منسوخا، وينتقض عليه بالكي والوسم في أنعام الزكاة، والجزية لتميزها عن غيرها، والغرض ههنا أيضا‏:‏ أن لا تختلط بعيرها، وأن يتوقاها اللص، وأن ينحرها من وجدها في محلها فإن التقليد قد يقع فلا يكفي ثم هذه الشعيرة أظهر في الإسلام من احتياجه لسند، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ من أراد الإحرام ومعه هدي فليقلده ثم يشعره ثم يجلله إن شاء وذلك واسع، ثم يدخل المسجد فيركع ويحرم، ولا ينبغي التقليد ولا الإشعار إلا عند الإحرام إلا أن لا يريد الحج فيفعل ذلك بذي الحليفة، وإن لم يكن معه هدي، وأراد الهدي فيما يستقبل فله أن يحرم ويؤخر الهدي‏.‏

ويقلد الهدي كله ويشعر إلى الغنم لا تقلد ولا تشعر، وتقلد البقر ولا تشعر إلا أن تكون لها أسنمة فتشعر، والإشعار في الجانب الأيسر من سنامها عرضا، وقال ابن القاسم‏:‏ ولا تقلد بالأوتار، ولا تقلد فدية الأذى؛ لأنها نسك وليست هديا، ومن شاء جعلها هديا ويجزئ الهدي كله بدون التقليد والإشعار‏.‏

قال سند‏:‏ قال مالك‏:‏ يستحب التقليد بما تنبت الأرض، ويجزئ النعل الواحدة لحصول التمييز، قال ابن المواز‏:‏ الإشعار في أي الشقين شاء، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ في الأيمن، واختاره عبد الوهاب في ‏(‏المعونة‏)‏ لحديثه ابن عباس، واختار مالك فعل ابن عمر فإنه فعل الحرمين، ويحمل الحديث على بيان الجواز فإن لم يكن للبعير سنام، قال مالك‏:‏ لا يشعر كالبقر، قال ابن حبيب و‏(‏ش‏)‏‏:‏ يشعر البقر، لنا‏:‏ أنه إنما ورد في السنام فلا يشرع في غيرة كالعتق وكالغنم، قال ابن حبيب‏:‏ الإشعار طولا ورواه عن ابن عمر رضي الله عنهما، ويجوز أن يكون اللفظ مختلفا، والمعنى متفقا هذا يريد عرض السنام، وهذا يريد طول البعير، قال مالك‏:‏ ولا تقلد المرأة ولا تشعر إلا أن لا تجد من يلي ذلك كالذبح، قال مالك‏:‏ والبياض في الجلال أحب إلينا، وشق الجلال أحب إلينا على الأسنمة لتثيت، إن كانت قليلة الثمن كالدرهمين، وينزع العالي منها ليلا يخرقه الشوك وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - لا يجلل حتى يغدو من منى؛ لأن جلاله كانت غالية، قال ابن حبيب و‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ تقلد الغنم؛ لما في الصحيحين أنه عليه السلام أهدى غنما مقلدة، وجوابه‏:‏ أنه محمول على قلائد أطواق كانت حلقية في أعناقها‏.‏ لنا‏:‏ أنها لا تجلب من مكان بعيد فلا تحتاج إلى ذلك، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ قيل بكراهة تقليد النعال‏.‏

الحكم الثالث‏:‏ تعيينه بالتقليد، وعندنا يتعين، وعند ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يتعين إلا بالذبح كالأضحية؛ لأنه لو زال ملكه عنه لما أجزأه ونحره قياسا على الزكاة بعينها فله إبدالها، والجواب عن الأول‏:‏ الفرق بأن الحكم العهدي يتعدى للولد حتى يجب نحره كالاستيلاد في أم الولد، وولد الأضحية لا ينحر معها، وهو الجواب عن الثالث، فإنه إذا عزل شاة الزكاة فولدت لا يلزم دفع ولدها معها، وعن الثاني‏:‏ أن النحر تسليم لما عينه ولزمه، وفي أبي داود عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أهدى نجيبا فأعطي بها ثلاثمائة دينار، فأتى النبي فأخبره بذلك ففال‏:‏ أفأبيعها واشتري بها بدنا‏؟‏ قال‏:‏ لا انحرها‏.‏ وقياسا على تسليم الزكاة إلى الإمام قبل وصولها للمساكين، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ كل هدي واجب أو تطوع أو نذر أو جزاء صيد دخله عيب بعد التقليد أجزأ، خلافا ل ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ لنا‏:‏ أنه غير متمكن من تغيره، ولو ضل ثم وجده بعد نحره غيره نحره ولو مات لم يتمكن الورثة من تغييره، قال سند‏:‏ إن كان ذلك بتفريط أو تعد ضمن، وإن كان بغير ذلك فالتطوع، والمنذور لا يضمن ولو مات، وأما غيرهما فقال الأبهري‏:‏ القياس الإبدال، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا وجد الهدي معيبا لا يرده على المشهور، وقيل‏:‏ يرده، قال سند‏:‏ وإذا قلنا بالتعيين بالتقليد فعطب الهدي قبل محله أبدل؛ لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏(‏هديا بالغ الكعبة‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏ وهذا لم يبلغ الكعبة بخلاف المنذور والمتطوع، فإنه إنما التزم نحره مع الإمكان، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا أخطأ الرفقاء فنحر كل واحد هدي صاحبه أجزأهم بخلاف الضحايا؛ لتعينها بالتقليد، قال سند‏:‏ يستحب لمن ضل هديه يوم النحر تأخير خلافه إلى زوال الشمس لبقاء وقت النحر، عساه ينحر قبل الخلاف، فإن لم يجده حلق؛ لأنه لو وجده استحب له تأخيره إلى غد، وتقديم الخلاف أفضل من تأخيره، ولو نحر الضال واجده عن نفسه، قال محمد‏:‏ يجزىء عن صاحبه، ومن نحر هدي غيره عن نفسه يعتقد أنه هدي نفسه، قال ابن القاسم‏:‏ لا يجزئ في غير العمد لتعينه، قال‏:‏ وهذا يقتضي إجزاءه مع العمد، وروى أشهب في الرفقاء‏:‏ يضمن كل واحد لصاحبه بخلاف الضحايا، عكس رواية ابن القاسم فيهما، وقال مالك‏:‏ أيضا من ذبح شاة صاحبه المقلدة أجزأته وعليه قيمتها، وإذا قلنا‏:‏ لا تجزئ عن الأولى فله القيمة كأم الولد إذا قتلت، وإذا لم يضمنه صاحبه وأخذ اللحم لم تجزئ الثاني؛ لأن الإجزاء فرع الملك والملك فرع التحميلة، وهل للأول بيع اللحم‏؟‏ يتخرج على الخلاف فمن وجد بهديه عيبا، وإذا عطب المنذور قبل محله لم يضمن إلا أن يتعدى أو يمكنه ذبحه فيتركه حتى يموت؛ لأنه مؤتمن على الذبح، وقد فرط بخلاف العبد المنذور عتقه حتى يموت مع المكنة؛ لأن المستحق للعتق هو العبد، وقد هلك والمستحق للهدي المساكين، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا مات قبل بلوغ بدنه أو هدي تطوعه محلها بعد تقليدها لا يرجع ميراثها‏.‏

الحكم الرابع‏:‏ في صفاتها من الجنس والسن والسلامة من العيوب، وحكمها في جميع ذلك حكم الضحايا على ما سيأتي مفسرا إن شاء الله تعالى، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ تعتبر السلامة وقت الوجوب حين التقليد والإشعار دون وقت الذبح، وقيل‏:‏ يراعي وقت الذبح، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا قلده وأشعره وهو لا يجزئ لعيب به فزال قبل بلوغه لمحله لم يجزئه، وعليه بدله إن كان مضمونا، ولو حدث به ذلك بعد التقليد أجزأه، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ قال الأبهري‏:‏ القياس عدم الإجزاء قياسا على موته، قال أبو طاهر‏:‏ يؤخذ من هذا أنه يجب بالتقليد والإشعار، أو وجب لكن يشترط دوام كماله إلى النحر، وقال ابن حنبل‏:‏ ينحر المعيب ويبدله، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا يجزئه كالأضحية‏.‏ لنا‏:‏ القياس على الزكاة إذا دفعها إلى الأمام، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا بأس بالهدايا والضحايا مع يسير القطع أو الشق في الأذن مثل السمة ونحوها، ويجوز الخصي في الضحايا والهدايا وبالخبرة لسمنه وطيب لحمه، ويجوز الكوكب على العين مع الإبصار بها، ولا يجوز البين العرج، ولا البين المرض من الدبر ولا الإبل ولا المجروح إذا كان الجرح أو الدبر كثيرا، والذي يجزئ من الأسنان في الهدايا والفدية الجذع من الضأن، والثني من سائر الأنعام، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول‏:‏ لا يجزئ إلا الثني من كل شيء، قال مالك‏:‏ إلا أن النبي عليه السلام أرخص في البدن من الضأن، والبدن عند مالك من الإبل وحدها والذكور والإناث بدن كلها، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والبدن جعلناها لكم من شعائر الله‏)‏ ‏[‏الحج 36‏]‏ ولم يفصل، ويجوز الذكور والإناث من الغنم وغيرها، ومن أهدى ثوبا فليبعه ويشتري بثمنه ما يجوز من الهدي توفية بلفظ الهدي، وإذا اطلع على عيب في هدي التطوع بعد التقليد أمضاه، وليس عليه بدله ويرجع على البائع بأرشه، ويجعله في هدي آخر إن بلغ وإلا تصدق به، فلو كان واجبا أبدله ويستعين بأرشه في البدل فإن جنى على الهدي صنع بأرش الجناية ما يصنع بأرش العيب‏.‏

الحكم الخامس‏:‏ في ضلاله أو سرقته أو هلاكه قبل نحره، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا ضل الهدي الواجب أو جزاء الصيد فنحر غيره يوم النحر، ثم وجده بعد أيام النحر نحره أيضا لتعيينه أولا، ومن عطب هديه للتطوع ألقي قلائده في دمه إذا نحره ورمى عنه جله وخطامه وخلى بين الناس وبينه، ولا يأمر من يأكل منه فقيرا ولا غنيا، فإن أكل أو أمر فعليه البدل، وسبيل الجل والخطام سبيل اللحم، لما في الصحيحين‏:‏ قال علي رضي الله عنه‏:‏ أمرني عليه السلام أن أقف على بدنه وأن أتصدق بلحومها وأجلتها‏.‏ قال سند‏:‏ فإن أخذ الجل اختص الضأن به ويضمنه بالقيمة، وإن استعمله رد ما نقصه، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إن بعث به مع غيره عمل به مثل عمله، وإن أكل لم يضمن؛ لأنه ليس ملتزما للتقرب، فإن أمره ربه بالأكل ففعل ضمن ربه، وإن أمره أن يخلي بين الناس وبينه فيتصدق به لم يضمن، وأجزأ صاحبه كما لو عطب معه فأتى أجنبي فقسمه بين الناس فلا شيء عليهما، وكل هدي واجب ضل أو مات قبل نحره فعليه بدله؛ لأنه في عهدته حتى ينحر للمساكين، ولا يضمن التطوع؛ لأنه لم يشغل ذمته، وإنما التزم التقرب بهذا الهدي المعين، وإن سرق الواجب بعد ذبحه أجزأه؛ لأن عليه هديا بالغ الكعبة، وقد فعله‏.‏

الحكم السادس‏:‏ في نتاجها وألبانها وركوبها‏.‏ وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يحمل نتاج الناقة أو البقرة أو الشاة، وهو هدي معها على غيرها إن وجده، وإلا فعليها، فإن عجزت كلف حمله؛ لأن حق الهدي يسري للولد كالاستيلاد في العتق والتدبير و‏(‏الكتاب‏)‏ة، قاله الأئمة، وقال سند‏:‏، قال أشهب‏:‏ وعليه الإنفاق عليه حتى يجد محلا، ولا يحل له دون البيت فإن تعذر ذلك كان حكمه حكم الهدي إذا وقف، فإن وجد مستعتبا أبقاه ليكثر، وإلا نحره موضعه وخلي بين الناس وبينه، فإن أكل من الولد، قال عبد الملك‏:‏ عليه بدله وهو مثل التطوع مثل أمه يأكل منه أن أبد له، وفي الواجب ليس مثل أمه لا يضمنه إذا تركه‏.‏ ويخلي بين الناس وبينه ويصير كالتطوع، فإن أكل منه أبدله، قال أشهب‏:‏ إن باعه عليه هديا كبيرا، وقال ابن القاسم‏:‏ إن نحره في الطريق أبدله ببعير لا ببقرة يريد في نتاج البدنة هذا كله من النتاج بعد التقليد، أما قبله‏:‏ فلا يجب، واستحب مالك نحره إذا نوى بأمه الهدي قبل الإشعار كقوله في الضحايا، ولو وجد الأم معيبة لا تجزئ لا يتصرف في ولدها، وكان تبعا لها في حكم الهدي‏.‏

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يشرب من لبن الهدي ولو فضل عن ولدها؛ لأنه من نتاجها، فإن فعل فلا شيء عليه؛ لأن بعض من مضى أرخص فيه، ولأنه منفعة كالركوب لأجزاء كالولد، ومن أحتاج إلى ظهر هديه فليركبه، وليس عليه أن ينزل بعد راحته، وقال ‏(‏ش‏)‏ لما في الصحاح أنه عليه السلام رأى رجل يسوق بدنة فقال‏:‏

‏(‏اركبها، فقال‏:‏ إنها بدنة، قال‏:‏ اركبها‏.‏ وذلك في الثانية أو الثالثة‏)‏ وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن ركب ضمن ما نقص وتصدق به، قال سند‏:‏ قال محمد‏:‏ إن اضربها ترك الحلاب حلبها‏.‏ وروي عن مالك لا يشرب من لبنها إلا من ضرورة، وروي المنع مطلقا، ولو فضل عن فصيلها‏.‏ وجوزه الشافعية مطلقا بعد كفاية فصيلها؛ لأن بقاءه فيها يضر ومحلوبا يفسد‏.‏

الحكم السابع‏:‏ الجمع بين الحل والحرم وهو من أحكام الهدي، وهو ما وجب لترك نسك أو فساد الإحرام ونحو ذلك، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا اشتري في الحرم أخرج إلى الحل أو اشترى من الحل أدخل الحرم، وهو الذي يوقف بعرفه، ولا يجزئ إيقاف غير ربه، والإبل والبقر والغنم سواء في ذلك، وإن بات بالمشعر الحرام ما وقف به بعرفة فحسن؛ لأن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان لا يفارق هديه في سائر المواطن، وقال ‏(‏ح‏)‏ و‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا يشترط خروجه إلى الحل؛ لأن الهدي مشتق من الهدية فإذا نحره فقد أهداه من ملكه إلى الله تعالى وتحقق معناه، وجوابه‏:‏ أنه مهدي إلى الحرم فيلزم أن يؤتى به من غيره فيجمع بينهما، وهو المطلوب، ولأن الله تعالى أمر بالهدي، ولم يبين أحكامه فبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - وساقه من الحل إلى الحرم، فوجب ذلك كما وجب السن والجنس والمنحر، ولأنه قربة تتعلق بالحرم فأشبه الحج والعمرة، قال سند‏:‏ وروي عن مالك إذا اشتراه في الحرم ذبحه سفيه وأجزأه، والذي لا يجزئ من إيقاف الغير هو البائع ونحوه، وأما عبدك أو ابنك فيجزئ لبعثه هديه مع غيره فوقف به ونحره، ويجوز أن يؤتي به من الميقاة مع الإحرام مقلدا مشعرا مجللا، ويجوز أن يؤتى به بعد يوم عرفة يوم النحر فما أتى به قبل الوقوف وقف به فهو الذي يحله موضع إحلال المحرم، ويستحب له أن يوقفه المواقف التابعة لعرفات، فإن أرسله من عرفة قبل الغروب لم يكن محله منى لعدم الوقوف بالليل، وإذا فات ذلك فحمله مكة، ومن اشترى يوم النحر هديا ولم يوقفه بعرفة ولم يخرجه إلى الحل فيدخله الحرم، ولا نوى به الهدي بل نوى الأضحية فليذبحه وليس بالأضحية؛ لأن أهل منى ليست عليهم أضاحي، وكل شيء في الحج فهو هدي، قال التونسي‏:‏ شبه فعله بفعل الأضاحي لما نوى التقرب من حيث الجملة، ولم يرد أنها شاة لحم‏.‏

الحكم الثامن‏:‏ نحره في الحج إذا حل من حجة بمنى، وفي عمرته بعد الفراغ من السعي عند المروة، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا حاضت المعتمرة بعد دخول مكة قبل الطواف ومعها هدي لا تنحره حتى تطوف وتسعى، وإن كانت تريد الحج وخافت الفوات، ولم تستطع الطواف للحيض أهلت بالحج، أوقفت الهدي بعرفة ونحرته بمنى وأجزأها لقرانها، ومن اعتمر في أشهر الحج وساق معه هديا فطاف لعمرته وسعى نحره إذا تم سعيه ثم يحلق أو يقصر، ولا يؤخره إلى يوم النحر، فإن أخره لم يبق محرما وأحرم يوم التورية وأول العشر أفضل، فإن أخره فنحره عن متعته اقتداء لم يجزئه لتعينه، ثم قال‏:‏ يجزئه، وقد فعله الصحابة رضوان الله عليهم، قال سند‏:‏ الهدي مشروع في العمرة عند الجمهور؛ لأنه عليه السلام نحر عمن اعتمر من نسائه بقرة‏.‏ فالتي تريد القران يتقلب هديها لقرانها كما ينقلب إحرامها، وفي الصحيحين‏:‏ قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ خرجنا مع النبي - عليه السلام - عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم، قال النبي عليه السلام‏:‏ ‏(‏من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة‏)‏ وظاهره أنه بعد الإحرام، وأن هديهم ذلك يجزئهم عن القران، وروي عن مالك‏:‏ يهدي غيره أحب إلي، وقاله ابن القاسم، وهو القياس لتعين الهدي قبل نية القران، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في تأخير المعتمر هديه، وأنه يحل، وقال ‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل‏:‏ لا يحل حتى يحج وينحر لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏ وفي ‏(‏الموطأ‏)‏‏:‏ قالت حفصة رضي الله عنها‏:‏ قلت يا رسول الله‏:‏ ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إني لبدت رأسي وقلدت هدبي فلا أحل حتى أنحر‏)‏ والجواب عن الأول‏:‏ أن الهدي قد بلغ محله عند المروة، وعن الثاني‏:‏ أن عمرته كانت مع الحج معا، وفي الصحيحين‏:‏ ‏(‏تمتع عليه السلام في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وساق الهدي معه من ذي الحليفة، وبدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج‏)‏ وإذا أهدى لعمرته لا يقصد التمتع‏:‏ قال عبد الحق‏:‏ لا يجزئه على تمتعه عن القولين، قال‏:‏ وليس كما قال، بل الخلاف جار فيها، وإن قصد به التمتع فقد كرهه ابن القاسم في الصورتين، أما في الأولى فلتعينه نافلة، وأما الثانية فلتعينه قبل سبب وجوبه كالصلاة قبل الوقت، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا بعث يهدي تطوع مع رجل حرام ثم خرج بعده حاجا، فإن أدرك هديه لم ينحره حتى يحل، وإن لم يدركه فلا شيء عليه، وإن كان هذا الهدي قد ارتبط بإحرام الأول فإن ذلك الحكم ينقطع، كما لو أحضر الرسول وأمكن ربه الوصول، ولأن الأصل أقوى من الفرع‏.‏ والموكل متمكن من عزل الوكيل، قال سند‏:‏ فلو كان الرسول دخل بحج ثم دخل ربه بعمرة، قال في ‏(‏الموازية‏)‏‏:‏ يؤخره حتى ينحره في الحج؛ لأن النحر في الحج أفضل من العمرة لجعل الشرع له زمانا معينا، وما اعتنى الشرع به يكون أفضل‏.‏ فإن سبق الهدي في عمرته ودخل به بعمرة فأراد تأخير حتى يحج من عامه، قال مالك‏:‏ لا يؤخره لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فلا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

الحكم التاسع‏:‏ صفة ذبحها في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ تنحر البدن قياما، قال ابن القاسم‏:‏ فأن امتنعت جاز أن تعقل لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها‏)‏ ‏[‏الحج 36‏]‏ أي‏:‏ سقطت، وفي البخاري نحر عليه السلام بيده سبع بدن قياما‏.‏ وتنحر الإبل ولا تذبح بعد النحر للحديث المتقدم، ولأنه أقرب لزهوق روحها، والله تعالى كتب الإحسان على كل شيء، والبقر تذبح ولا تنحر بعد الذبح؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة‏)‏ ‏[‏البقرة 67‏]‏، قال سند‏:‏ والعقل ربط يديها مثنية ذراعها إلى عضدها؛ لأن في حديث جابر‏:‏ كان عليه السلام هو وأصحابه ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة، قال مالك‏:‏ وتصف أيديها بالقيود لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فاذكروا اسم الله عليها صواف‏)‏ ‏[‏الحج 36‏]‏، قال مالك‏:‏ ولو تفرقت بعد النحر إلا أن يخاف انقلابها فينحرها باركة أحب إلي من تفرقها، ويمسكها رجلان رجل من كل ناحية، وهي قائمة مصفوفة أحسن من نحرها باركة، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ تكره النيابة في الزكاة؛ لأن مباشرة القرب أفضل، وكذلك كان يفعل فأن استناب أجزأه إلا في غير المسلم؛ لأنه ليس من أهل القرب، وفي أبي داود ‏(‏قال علي رضي الله عنه‏:‏ نحر عليه السلام بيده ثلاثين بدنة، وأمرني فنحرت سائرها‏)‏ ويقول من ذبح‏:‏ بسم الله والله أكبر، اللهم تقبل من فلان، فإن لم يقل وسمى الله تعالى أجزأ؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام‏)‏ ‏[‏الحج 34‏]‏ قال سند‏:‏ روى أشهب‏:‏ إن ذكاة الذمي صحيحة؛ لأنه من أهل الذكاة، ويغسل الذمي الجنب إذا قصد الجنب رفع الجنابة‏.‏ وكاستنابته في العتق وموضع المنع الذبح، بخلاف السلخ وتقطيع اللحم، والمقصود من التسمية ذكر الله تعالى مخالفة الجاهلية في تسمية الأصنام، حتى لو قال‏:‏ الله أجزأه، أما ذكر الرحمن فلا يناسب حال الإماتة، ولم ير مالك قوله‏:‏ اللهم مثل الأول مستحسنا، خلافا لابن حبيب، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يعطى الجزار أجرته من لحمها ولا جلودها ولا خطامها ولا جلها؛ لما في حديث علي رضي الله عنه‏:‏ أمرني عليه السلام أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها شيئا، وقال‏:‏ نحن نعطيه من عندنا، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إن ذبحها غير صاحبها قاصدا صاحبها أجزأه، وإن لم يستنبه لوجوبها بالتقليد، وإن نحرها عن نفسه تعديا أو غلطا فأقول ثالثها‏:‏ يجزئ في الغلط لوجود قصر القربة من حيث الجملة بخلاف التعدي، ولو دفعها للمساكين بعد بلوغها محلها وأمرهم بنحرها ورجع إلى بلده فاستحيوها فعليه بدلها كانت واجبا أو تطوعا؛ لأن تفريط الوكيل كتفريط الموكل‏.‏

الحكم العاشر‏:‏ الأكل منها، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يؤكل من الهدي كله واجبه وتطوعه إذا بلغ محله إلا ثلاثة جزاء الصيد، وفدية الأذى ونذر المساكين فإن أكل فلا يجزئه وعليه البدل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يأكل من التطوع وهدي التمتع والقران؛ لأنهما لم يجبا بسبب محرم فلم يحرما عليه كالتطوع، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يأكل من التطوع دون ما وجب في الإحرام، واختلف أصحابه في النذر؛ لأنه هدي واجب كفدية الأذى وجزاء الصيد، لنا قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها‏)‏ ‏[‏الحج 36‏]‏ وهو عام خص منه جزاء الصيد؛ لأن بدله الذي هو الإطعام مستحق عليه للغي،ر فيكون هو مستحقا عليه للغير، فلا يأكل منه كبدله، وكذا فدية الأذى ونذر المساكين فإن أكل من الثلاثة ضمن في جزاء الصيد ما قل أو كثر، وعليه البدل، قال ابن القاسم‏:‏ ولا أدري قول مالك في نذر المساكين، وأرى أن يطعم المساكين قدر ما أكل ولا يكون عليه البدل؛ لأنه عند مالك ليس مثل الأول، وإنما يستحب ترك الأكل منه، قال‏:‏ وإذا هلك هدي التطوع قبل محله تصدق به، ولا يأكل منه؛ لأنه غير مضمون عليه وليس عليه بدله، فإن أكل فعليه البدل لاتهامه في ذبحه، وكل هدي مضمون هلك قبل محله فله الأكل منه والإطعام للغني والفقير، ولا يبع منه لحما ولا جلا ولا جلدا ولا خطاما ولا قلائد، ولا يستعين بذلك في غير الأول، والمبعوث معه بالهدي يأكل من كل هدي إلا الثلاثة المتقدمة، إلا أن يكون مسكينا، وفي مسلم ‏(‏لما بعث عليه السلام الهدي مع ناجية الأسلمي قال له‏:‏ أرأيت إن أزحف منها شيء على معنى ضعف عن المشي، يقال‏:‏ رجف البعير إذا خر من سنامه على الأرض من الإعياء‏.‏ وأوجفه اليسير فقال له عليه السلام‏:‏ انحره واخضب نعلها بدمها، واضرب بها صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من رفقتك‏)‏، قال سند‏:‏ حكى محمد خلافا في الأكل من هدي الفساد، وروي عن مالك‏:‏ إن أكل من الجزاء والفدية فلا شيء عليه، وكل هدي جاز أكل بعضه، وجاز أكل كله ولا حد فيما يستحب إطعامه على ظاهر المذهب، وحدده ‏(‏ش‏)‏ بالنصف لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير‏)‏ ‏[‏الحج 28‏]‏ ومرة بالثلث لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر‏)‏ ‏[‏الحج 36‏]‏ فجعل له شريكين‏.‏

والنذر قسمان‏:‏ نذر للمساكين يأكلونه فلا يأكل منه على المشهور، وفيه خلاف منذور النحر فقط، قال مالك‏:‏ يأكل منها، وإذا عين أفضل مما وجب عليه وقلنا‏:‏ يبدله فهل مثل ما كان في الذمة أو مثل ما عين‏؟‏ لأن من نذر المشي إلى مكة معتمرا فم‏(‏ش‏)‏ي في حج فركب وأراد يقضي سنة أخرى ما ركب فإنه يمشي إن شاء في حج أو عمرة كما كان أولا، ولو عطب بتفريطه لزمه مثل ما عين، ولو كان بدلا عن هدي واجب ضل فعطب فأكل منه، ثم وجد الأول نحره وبدل الثاني؛ لأنه صار تطوعا أكل منه قبل محله، وفي ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ إذا أكل من هدي لا يجوز له الأكل منه روايتان‏:‏ إحداهما يبدل الهدي كله، والأخرى مكان ما أكل، وروي عن مالك‏:‏ لا شيء عليه؛ لأنه عين للمساكين فأكله وأكل غيره سواء، والسنة تضمين الجميع، ولأنه كما ضمن إراقة دمه فقد ضمن أبعاضه‏.‏ فإذا أكل بعضها سقطت الزكاة فيه، والزكاة لا تتبعض فيبطل الجميع‏.‏

والهدي في الأكل منه على أربعة أضرب‏:‏ ما يؤكل قبل بلوغه وبعده وهو الواجب ما عدا الفدية والجزاء والنذور، وما لا يؤكل منه قبل ولا بعد وهو نذر المساكين المعين، وما لا يؤكل منه قبل بلوغه يؤكل بعد وهو التطوع والنذر المطلق؛ لأنهما غير مضمونين قبل محلهما إذا لم يتعرض، فإن تعرض ضمن، وما يؤكل قبل لا بعد وهو الجزاء والفدية والنذر المضمون؛ لأنها مضمونة قبل وبعد مستحقة للغير، وإن أكل السائق للهدي، وإذا وقف قبل محله فإن كان واجبا لم يجزئ ربه وضمن السائق للتهمة كالراعي يذبح الشاة يقول‏:‏ خفت عليها الموت فإن شهد له أحد من رفقته ممن أكل من الهدي لم يقبل قوله؛ لأن الشاهد يثبت لنفسه أنه أكل مباحا وضمن السيد ولا يرجع السائق على أحد ممن أطعمه؛ لأنه يقول‏:‏ إنهم أكلوا مباحا ويضمن القيمة وقت النحر، لا هديا مكانه كمن تعدى على هدي، وإنما يضمن الهدي بالهدي، وبه لأنه التزم بلوغ الهدي إلى محله من ماله فأن كان الهدي تطوعا فليس على ربه إلى هدي بقيمة ما يرجع به، وإن كان الهدي واجبا فعليه مثل ما وجب عليه، وإن طعم السائق من الواجب فلا شيء عليه ولا على ربه إن أمره؛ لأنه مضمون على ربه، وإن أطعم من التطوع غير مستحق فلا شيء على ربه، وإن لم يأمره وإلا فعليه البدل، وإن أطعم مستحقا فلا شيء عليه وضمن ربه إن أمره أن يطعم معينا، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏‏:‏ من أطعم غنيا من جزاء الفدية فعليه البدل جهل أو علم كالزكاة ولا يطعم منه، ولا من جميع الهدي غير مسلم فإن فعل ضمن الجزاء، والفدية دون غيرهما وهو خفيف، وقد أساء ولا يطعم من جزاء الصيد أبويه ولا زوجته ولا ولده ولا مدبره ولا مكاتبه؛ لأنها وجبت عليه، فلا يصرفها لمن يتعلق به كالزكاة، قال سند‏:‏ وإذا أطعم غنيا عالما فيختلف هل يغرم جميع الهدي أو قدر ما أعطي لحما أو طعاما، وإن كان غير عالم اختلف قول ابن القاسم، كما اختلف في الزكاة، وكذلك اختلف في غير المسلم كالزكاة وإطعام الذمي مكروه عند ابن القاسم، وخفف ابن وهب في إطعام الذمي من الأضحية، وقال‏:‏ إنما النهي في المجوس، وخفف مالك في إطعام جيرانه الكتابيين من الأضحية، وكره ابن القاسم إلا لمن في عياله منهم فإن أطعم أبويه أو من ذكر معهم فعلى أصل ابن القاسم عليه البدل، ويجري فيه الخلاف في قدر ما أطعم لحما أو طعاما فإن كان الأكل بغير إذنه فإنما عليه قدر ذلك؛ لأنه لم يتعد حتى يقدر سقوط إراقة الدم في ذلك البعض، إنما وصلت إليه منفعة ذلك البعض، ولو لم يكن الأكل في عياله لم يلزمه شيء، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ قيل‏:‏ لا يؤكل من هدي الفساد، ومن أكل من نذر المساكين ففي إبدال بعضه أو كله روايتان، وقيل‏:‏ إن كان معينا أطعم قدر ما أكل، وإن كان مضمونا وجب البدل عن الكل، وإذا أوجبنا بدل المأكول فقيل‏:‏ بدل اللحم؛ لأنه من ذوات الأمثال، وقال عبد الملك‏:‏ قيمته طعاما؛ لأن مثل لحم الهدي لا يوجد، وقيل‏:‏ يغرم القيمة ثمنا‏.‏

ويختص بأكل الهدي من جوز له أخذ الزكاة إن كان مما لا يأكل صاحبه منه، وإلا فلا يختص بل يأكل الفقير والغني‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في بقاعها

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ كل هدي فاته الوقوف بعرفة فمحله بمكة، وكل ما وقف بعرفة فنحره بمنى فإن نحر بمكة جهلا أو عمدا أجزأ؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ثم محلها إلى البيت العتيق‏)‏ ‏[‏الحج 33‏]‏، ومن ضل هديه الواجب بعد الوقوف بعرفة فوجده بعد أيام مني فلينحره بمكة، قال ابن القاسم‏:‏ قال مالك‏:‏ مرة لا يجزئه، وقال مرة يجزئه وبه أقول، ومن ضل هديه بعد الوقوف بعرفة فوجده غيره فنحره بمنى؛ لأنه رآه هديا أجزأ ربه، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ كل ما محله مكة فعجز عن الدخول به إلى بيوت مكة، ونحر بالحرم لم يجزئ، وإنما محله مكة أو ما يلي بيوتها من منازل الناس، ولا يجزئ نحره عند ثنية المدنيين؛ لأنه عليه السلام نحر هديه عام الحديبية بالحرم وأخبر الله تعالى أنه لم يبلغ محله بقوله‏:‏ ‏(‏والهدي معكوفا أن يبلغ محله‏)‏ ‏[‏الفتح 25‏]‏، قال مالك‏:‏ ومنى كلها منحر إلا ما خلف العقبة وأفضلها عند الجمرة الأولى، ولا ينحر هدي بمكة إلا بعد أيام منى، قال سند‏:‏ يختلف في وجوب النحر بمكة إذا فات الوقوف بعرفة‏.‏

وينحر بمنى ما اجتمعت فيه ثلاثة شروط‏:‏ الوقوف بعرفة، وأن ينحر في أيام النحر على سنة الضحايا، وأن يكون نحره في حج، وإذا ضل هديه فنحر غيره ثم وجده في أيام منى فنحره، قال بعض الشافعية‏:‏ الضال الواجب يتقدم تعينه على الواجب، والمذهب وجوب الاثنين‏:‏ الأول عما في الذمة، والثاني لتعينه هديا، كمن أحرم بحجة الإسلام ثم تبين له أنه حج قبل ذلك، فإن الثاني يتعين، وروى ابن القاسم‏:‏ إذا ساق الهدي الواجب فضل قبل الوقوف بعرفة ثم وجده يوم النحر بمنى لا يجزئه، وينحره بمكة ويهدي غيره، وروى أشهب‏:‏ يجزئه فنزل مرة نية الإيقاف منزلته ومرة لم ينزلها، وفي ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ إن أضل الهدي الواجب قبل الوقوف ثم وجد بمنى فروايتان‏:‏ ينحره بمنى ثم يبدله بهدي آخر بمكة بعد أيام منى، ويؤخره حتى ينحره بمكة ويجزئه، فصار في الفرع أربعة أقوال‏:‏ ينحره بمنى ويجزئه، ينحره بمنى ويبدله بها، ينحره بمكة ويبدله بها، ينحره بمكة ويجزئه، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يجزئ ذبح جزاء الصيد ولا هدي إلا بمكة أو بمنى، وما كان من هدي في عمرة لنقص فيها أو نذر أو تطوع أو جزاء صيد نحره إذا دخل مكة أو ينحره بمنى، كما يفعل بعد التحلل إلا هدي الجماع في العمرة ويؤخره إلى قضائها أو بعد قضائها بمكة على ما تقدم في فساد الإحرام‏.‏

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ قال عبد الملك يجوز النحر بمنى، وإن لم يقف بعرفة، وإذا نحر بمكة ما وقف بعرفة ففي الإجزاء أقوال ثالثها‏:‏ يختص الأجزاء بما نحر بعد خروج أيام منى‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في أزمانها

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا يجزئ ذبح الهدايا قبل الفجر، وكذلك نسك الأذى، وإن قلد لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏في أيام معلومات‏)‏ ‏[‏الحج 28‏]‏ واليوم النهار لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏سخرها عليهم سبع ليل وثمانية أيام حسوما‏)‏ ‏[‏الحاقة 7‏]‏، ولأنه السنة، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ يراق دم الفساد والفوات في الحجة المقضية، وقيل في الفائتة والمفسدة؛ لأنه جبران لها‏.‏

العاشر‏:‏ في العمرة

والعمرة في اللغة‏:‏ الزيارة، اعتمر فلانا فلانا إذا زاره، وفي الشرع‏:‏ زيارة مخصوصة للبيت، وفي ‏(‏الموطأ‏)‏، قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏العمرة للعمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة‏)‏ وفيه‏:‏ ‏(‏جاءت امرأة إليه عليه السلام فقالت‏:‏ إني تجهزت للحج فاعترض لي، فقال لها عليه السلام‏:‏ اعتمري في رمضان؛ فإن عمرة فيه كحجة‏)‏، قال سند‏:‏ والعمرة عند مالك و‏(‏ح‏)‏ سنة، وعند ابن حبيب واجبة، وعند ‏(‏ش‏)‏ قولان، حجة الأول‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏بني الإسلام على خمس‏)‏ فذكر الحج ولم يذكر العمرة، ويروى عنه عليه السلام‏:‏ ‏(‏الحج جهاد، والعمرة تطوع‏)‏، ولأنها غير مؤقتة فلا تجب كطواف التطوع، وحجة الثاني قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏ والأمر للوجوب، وروي عنه عليه السلام‏:‏ ‏(‏الحج والعمرة فريضتان‏)‏ وقياسا على الحج، والجواب عن الأول‏:‏ القول بالموجب؛ لأنه يقتضي وجوب إتمامها، ونحن نقول به إنما النزاع في الإنشاء، وعن الثاني أنه غير معروف، وعن الثالث الفرق بالتوقيف، وهو دليل اعتناء الشرع بالحج، وتجوز في جميع السنة إذا لم يصادف أفعال الحج عند مالك و‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ تكره في خمس أيام عرفة والنحر وأيام التشريق، لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ ‏(‏السنة كلها وقت للعمرة إلا خمسة أيام‏)‏ فذكرتها، وجوابه‏:‏ منع الصحة سلمناها لكن يحمل على المتلبس بالحج، ولا يعتمر عند مالك إلا مرة، واستحب مطرف و‏(‏ش‏)‏ تكرارها؛ لأن عليا - رضي الله عنه - كان يعتمر في كل يوم مرة، وكان ابن عمر - رضي الله عنه - يعتمر في كل يوم من أيام ابن الزبير، لنا‏:‏ ما في ‏(‏الموطأ‏)‏‏:‏ أنه عليه السلام اعتمر ثلاثا عام الحديبية، وعام القضية، وعام الجعرانة، إحداهن في شوال، واثنتان في ذي القعدة، وما رووه يحتمل القضاء، فقد روي أن عائشة - رضي الله عنها - فرطت في العمرة سبع سنين فقضتها في عام واحد، ولو كان ذلك مستحبا لفعله والأئمة بعده، وإذا قلنا لا يعتمر إلا مرة فهل هي من الحج إلى الحج أو من المحرم إلى المحرم‏؟‏ لمالك قولان ينبني عليهما الاعتمار بعد الحجة في ذي الحجة ثم في المحرم، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ تجوز العمرة في السنة كلها إلا للحاج يكره له الاعتمار حتى تغيب الشمس آخر أيام الرمي تعجل في يومين أم لا، قال ابن القاسم‏:‏ فإن أحرم بعمرة في أيام الرمي لم تلزمه، والعمرة في السنة مرة واحدة، فإن اعتمر بعدها لزمته كانت الأولى في أشهر الحج أم لا، أراد الحج من عامه أم لا، قال سند‏:‏ راعى مالك وزمان الرمي في الاعتمار، و‏(‏ش‏)‏ الرمي نفسه، لمالك‏:‏ إن الاعتمار ممنوع في زمان الرمي، والزمان وقت لا رمي فيكون الزمان معتبرا دون الرمي‏.‏